العالم العربى وانفصال جنوب السودان
صفحة 1 من اصل 1
العالم العربى وانفصال جنوب السودان
ولو
أجرينا استفتاء بين الشعوب العربية حول الموقف العربى المحتمل من انفصال
جنوب السودان، هل تعترف به الدول العربية أم تناهض الدولة الجديدة، فإننى
أظن أن الشعوب سوف تجمع على رفض انفصال الجنوب السودانى
الخلاف
فى السودان يتم بين النخب السياسية ولايصل إلى مستوى الناس، ورغم ذلك
فالنخب هى التى بتقرير المصير. وفيما يتعلق بجنوب السودان الذى سوف يتصدر
الاهتمام الإقليمى والدولى من الآن فصاعدا، ترى الحركة الشعبية أن انفصاله مسألة وفت بينما يرى حزب المؤتمر الوطنى أنه يمكن إستنقاذ الوحدة.
ولو أجرينا
استفتاء بين الشعوب العربية حول الموقف العربى المحتمل من انفصال جنوب
السودان، هل تعترف به الدول العربية أم تناهض الدولة الجديدة، فإننى أظن
أن الشعوب سوف تجمع على رفض انفصال الجنوب السودانى لأسباب عديدة لاخلاف
عليها أهمها أن هذه الشعوب لاتريد انفصال أى جزء من الجسد العربى تحت أى
مسمى وبأى ذريعة كما أن هذا الانفصال سوف يشجع على حالات انفصال مماثلة فى
العالم العربى وإفريقيا وسوف تكون آثار الدومينوو أسرع مما تتوقع خاصة وأن
تفتيت العالم العربى مخطط أمريكى صهيونى نجح حتى الآن فى فلسطين والعراق
ورسم قسماته فى لبنان ويوشك أن يهدد وحدة اليمن، وغير ذلك كثير مما تم
رصده من مؤشرات خطيرة فى كل الدول العربية خلال العقد الأخير وبالأخص منذ
الغزو الأمريكى للعراق. وتدرك الشعوب العربية أيضاً أن قسطاً مما آل إليه
حال العالم العربى يعود إلى سياسات الحكومات الوطنية التى أسهمت فى نجاح
مخطط التفتيت. ولاتزال قناعتى تترايد بأن معاهدة السلام المصرية
الإسرائيلية كانت نقطة البداية فى تفكيك العالم العربى وتمزيقه ثم تفكيك
أوطانه الواحد تلو الآخر حتى رغما عن الحكام.
ويترتب
على ذلك أن انفصال الجنوب الذى تلح الحركة الشعبية لتحرير السودان عليه
سوف يكون مؤامرة فى مواجهة نظام أعلن صراحة أنه سعى بكل الطرق لتفادى ذلك،
وانه حتى عندما قبل فى اتفاق نيفاشا فكرة الاستفتاء أسلوباً لتقرير المصير
فإنه كان يقصد طمأنة الجنوبيين خاصة النخبة السياسية والعسكرية التى
استقوت بالخارج لتحارب الجيش السودانى، وأن تصل إلى إحدى الحسنيين: إما
الاستيلاء على الحكم فى الخرطوم لتصوغ السودان الجديد العلمانى اللبرالى
وتزيل منه المسحة الإسلامية التى أتت بها حكومة الإنقاذ، أو أن تستقل
بالجنوب تفعل به ما تشاء. هكذا كانت نيفاشا نقطة التقاء حاسمة بعد صراع
عسكرى شغل السودان وحشد موارده فى محرقة امتدت لأكثر من عقدين من الزمان،
فسره الطرفان تفسيرا متباينا، فرأت فيه الخرطوم انتصارا لخط السلام وحقن
الدماء والتفرغ للتنمية والبناء، بينما رأت فيه الحركة الشعبية انتصارا
كاسحاً أرغم الخرطوم على تنازلات حاسمة وهى اقتسام الثروة والسلطة،
والانفراد تماماً بالجنوب دون وجود للسلطة السودانية فيه، والتوغل فى
الجيش والحكم باسم الشراكة، فصار النائب الأول للرئيس من الجنوب ونائب
رئيس البرلمان من الجنوب وعدد من المحافظين فى الشمال والوزراء من الجنوب،
ومع ذلك ينعى الجنوبيون على الخرطوم أنها لم تتح مكانا لهم فى الكوادر
العليا فى الدولة ولكن التنازل الأخطر هو الإقرار للجنوب بتقرير مصيره.
ولكن الاتفاق أشار أيضاً درءا للشبهات إلى أن السنوات الست الأولى لتطبيق
الاتفاقية هى اختبار لمدى نجاح الشمال فى جعل الوحدة أكثر جاذبية من
الانفصال، أى أن الانفصال عقوبة للشمال لأنه عجز مقدماً فى أن يجعل الوحدة
معه جاذبة فحق الطلاق البائن على هذا الشريك الفاشل.
ونود
أن نسجل فى هذا المقام أن تقرير المصير حق للشعوب ضد المستعمر، وأن صراع
الخرطوم مع الحركة الشعبية وأنصارها من الإقليم وفى العالم أصحاب مشروع
تفتيت السودان لم يكن حرباً أهلية وإنما هو صراع للمحافظة على وحدة
السودان ضد التمرد المدعوم من الخارج. كما نود أن نسجل أن التزام جعل
الوحدة جاذبة للجنوب كان صيغة مخادعة لثلاثة
أسباب، الأول هو أن هذا الالتزام يقع على عاتق شريكى الحكم فلايجوز أن
نلوم المؤتمر الوطنى دون الجبهة الشعبية التي تتحمل النصيب الأوفي من
اللوم.
السبب
الثانى هو أن الجبهة الشعبية فهمت نيفاشا على أنها تسليم بحقها فى تأصيل
وتكريس الانفصال فأتاح لها الاتفاق مساحة واسعة من الحركة داخل الجنوب ومع
الخارج وأنشأت بعثات دبلوماسية موازية، وتحدثت الحركة بشكل معارض لحكومة
الوحدة و ضد الدستور الانتقالى، بينما المؤتمر الوطنى فهم نيفاشا على أنها
فسحة وفرصة للعمل على تدارك أسباب الصراع وتوثيق أواصر العلاقة على أسس
جديدة، وأن حق تقرير المصير الوارد فى نيفاشا علامة على حسن نية الخرطوم
وعدم رغبتها فى قهر الجنوب على علاقة لاترضيه.
السبب الثالث أن أصدقاء الإيجاد ودول أخرى ساعدت على تهيئة ظروف الانفصال بدعمها المكشوف للحركة الشعبية.
وقد
أظهرت الحركة الشعبية صراحة خلال المعركة الانتخابية الرئاسية أنها مستعدة
لمنع الانفصال إذا تنازل البشير لياسر عرمان مرشح الحركة فى الانتخابات،
أى سيطرة الحركة على كل السودان وتحريرها من العرب المسلمين أو فصل
الجنوب، وعلى الخرطوم أن تختار أحدهما وهما خياران أحلاهما مر .
لقد
انهمكت الجبهة الشعبية فى مساندة متمردى دارفور وساندت مسرحية الجنائية
الدولية ضد البشير لاتهامها له بجرائم فى دارفور، ولكن البشير يفهم جيداً
أنه لو أبدى استعداه للاعتراف بإسرائيل وأغفل المقاومة العربية وتخلى على
مواقفه العربية ضد إسرائيل، فسوف يظل رئيساً مدى الحياة وتحافظ له واشنطن
على السودان موحدا وربما سعت إلى ترشيحه لجائزة نوبل للسلام فيتحول بقدرة
قادر عندهم من قاتل مطلوب أمام الجنائية الدولية إلى قديس ينشر السلام
والعدل فى أحراش السودان.
وقد
فهمت أن حكومة الخرطوم تتمنى ألا تمضى الجبهة الشعبية فى خطها لفصل
الجنوب، ولكنها تواجه ضغوطاً هائلة من واشنطن وغيرها ومن توظيف المحكمة
الجنائية ضد البشير. معنى ذلك أن البشير يوافق على إجراء الاستفتاء وفق
اتفاق نيفاشا لكنه واثق أن النتائج سوف يتم تزويرها مادام الشمال لا يملك
رقابة النتائج، ومادامت تلك خطة واشنطن التى أشار ممثلها فى الخرطوم إلى
أنه لن ينازع فى نتائج انتخاب البشير لعل ذلك الفضل يدفع البشير إلى عدم
تعويق الانفصال. فإذا رفض البشير الانفصال فسوف يكون عليه أن يحارب الجبهة
مرة أخرى كما أن رفضه سوف يواجه بضغوط هائلة من الغرب بحجة عدم احترامه
لاتفاق نيفاشا، ولكن الحقيقة أن فهم الطرفين لحق تقرير المصير ليس واحدا،
كما أن المؤامرة كانت واضحة منذ البداية. سوف يترتب على رفض الخرطوم
الاعتراف بالجنوب كدولة مستقلة عزوف الدول الأخرى عن الاعتراف بها لأن
الاعتراف ضد رغبة الحكومة المركزية يعد إسهاما فى تقويض وحدة السودان.
نفهم أن الحكومة فى الخرطوم مستعدة لإرضاء الجنوب حتى بالتنازل عن حصتها
فى بترول الجنوب، ولكن الجنوب مدفوع لاعتبارات سياسية دولية نحو الانفصال
حتى يمكن للدولة الجديدة أن تعترف بإسرائيل وتتابع مع متمردي دارفور فصل
الإقليم وتفتيت بقية الأراضي السودانية.
أمام
هذا المأزق :ماهو موقف الدول العربية؟ هل تعترف بالدولة الجديدة امتثالاً
للرغبة الأمريكية أم تعزف عن الاعتراف احتراماً لرغبة الحكومة السودانية.
فإذا اعترضت الحكومة السودانية أملاً فى استجلاب الوحدة أو الفيدرالية فى
وقت لاحق، فلا أظن أن الدول العربية ستكون ملكية أكثر من الملك كما يقولون
خصوصاً وأن مصر مثلاً بادرت فى وقت مبكر استشرافاً لهذا المصير ومدت
جسوراً مع حكومة الجنوب وأنشأت بعثة قنصلية فى جوبا عاصمة الجنوب.
إننى
أنبه إلى أن المؤامرة على وحدة السودان لاقبل للسودان وحده بمواجهتها،
وإذا تسامحت الدول العربية مع انفصال الجنوب، فإن تفكيك السودان قادم
وتفتيت الدول العربية يكون قيد النظر مادامت السابقة قد تم إرساؤها. ولذلك
فإننى أطالب بوقفة عاقلة فى هذه المأساة وليس واردا استجداء الحركة
الشعبية حتى ترضى بعدم فصل الجنوب، أو بوعود باستثمارات عربية فى الجنوب
ثمناً لمنع الانفصال ، وإنما تكون هذه الوعود فى مؤتمر تحضره كل الأطراف
وأن تكون جزءاً من حل شامل يحفظ على السودان وحدته.
وأخيراً،
وكما أشار أحد كبار المسؤولين السودانيين في أحد اللقاءات في الخرطوم في
أوائل يوليو 2010 لماذا يصر الجنوب على الانفصال وهو منفصل فعلاً وأن
روابطه مع الشمال شكلية، إلا أن يكون الانفصال مقصوداً منه تمزيق السودان
وإدخاله فى دوامة جديدة من الصراع.
والحق
أن التصدى للمؤامرة منذ بدايتها أقل كلفة وأبعد نظرا من الاستسلام لأوهام
التسوية وسراب السلام، ولكن العالم العربى كان قد بدأ ينفرط عقده مما لا
يدع مجالاً للشك من السلام المصري الاسرائيلي الذي هو رأس الشرور للعالم
العربى ومصر فى المقدمة.
ونظرا
لمخاطر الانفصال للعالم العربى والاسلامى وإفريقيا فقد ترى الدول فى
العوالم الثلاثة عقد قمة مشتركة لتدارك المخاطر، فالدول العربية
والإفريقية هشة وأضعفها بلاء الداخل وتجبر الخارج، مما أنهك قدرتها على
الصمود حتى للحفاظ على وحدتها الداخلية.
أجرينا استفتاء بين الشعوب العربية حول الموقف العربى المحتمل من انفصال
جنوب السودان، هل تعترف به الدول العربية أم تناهض الدولة الجديدة، فإننى
أظن أن الشعوب سوف تجمع على رفض انفصال الجنوب السودانى
الخلاف
فى السودان يتم بين النخب السياسية ولايصل إلى مستوى الناس، ورغم ذلك
فالنخب هى التى بتقرير المصير. وفيما يتعلق بجنوب السودان الذى سوف يتصدر
الاهتمام الإقليمى والدولى من الآن فصاعدا، ترى الحركة الشعبية أن انفصاله مسألة وفت بينما يرى حزب المؤتمر الوطنى أنه يمكن إستنقاذ الوحدة.
ولو أجرينا
استفتاء بين الشعوب العربية حول الموقف العربى المحتمل من انفصال جنوب
السودان، هل تعترف به الدول العربية أم تناهض الدولة الجديدة، فإننى أظن
أن الشعوب سوف تجمع على رفض انفصال الجنوب السودانى لأسباب عديدة لاخلاف
عليها أهمها أن هذه الشعوب لاتريد انفصال أى جزء من الجسد العربى تحت أى
مسمى وبأى ذريعة كما أن هذا الانفصال سوف يشجع على حالات انفصال مماثلة فى
العالم العربى وإفريقيا وسوف تكون آثار الدومينوو أسرع مما تتوقع خاصة وأن
تفتيت العالم العربى مخطط أمريكى صهيونى نجح حتى الآن فى فلسطين والعراق
ورسم قسماته فى لبنان ويوشك أن يهدد وحدة اليمن، وغير ذلك كثير مما تم
رصده من مؤشرات خطيرة فى كل الدول العربية خلال العقد الأخير وبالأخص منذ
الغزو الأمريكى للعراق. وتدرك الشعوب العربية أيضاً أن قسطاً مما آل إليه
حال العالم العربى يعود إلى سياسات الحكومات الوطنية التى أسهمت فى نجاح
مخطط التفتيت. ولاتزال قناعتى تترايد بأن معاهدة السلام المصرية
الإسرائيلية كانت نقطة البداية فى تفكيك العالم العربى وتمزيقه ثم تفكيك
أوطانه الواحد تلو الآخر حتى رغما عن الحكام.
ويترتب
على ذلك أن انفصال الجنوب الذى تلح الحركة الشعبية لتحرير السودان عليه
سوف يكون مؤامرة فى مواجهة نظام أعلن صراحة أنه سعى بكل الطرق لتفادى ذلك،
وانه حتى عندما قبل فى اتفاق نيفاشا فكرة الاستفتاء أسلوباً لتقرير المصير
فإنه كان يقصد طمأنة الجنوبيين خاصة النخبة السياسية والعسكرية التى
استقوت بالخارج لتحارب الجيش السودانى، وأن تصل إلى إحدى الحسنيين: إما
الاستيلاء على الحكم فى الخرطوم لتصوغ السودان الجديد العلمانى اللبرالى
وتزيل منه المسحة الإسلامية التى أتت بها حكومة الإنقاذ، أو أن تستقل
بالجنوب تفعل به ما تشاء. هكذا كانت نيفاشا نقطة التقاء حاسمة بعد صراع
عسكرى شغل السودان وحشد موارده فى محرقة امتدت لأكثر من عقدين من الزمان،
فسره الطرفان تفسيرا متباينا، فرأت فيه الخرطوم انتصارا لخط السلام وحقن
الدماء والتفرغ للتنمية والبناء، بينما رأت فيه الحركة الشعبية انتصارا
كاسحاً أرغم الخرطوم على تنازلات حاسمة وهى اقتسام الثروة والسلطة،
والانفراد تماماً بالجنوب دون وجود للسلطة السودانية فيه، والتوغل فى
الجيش والحكم باسم الشراكة، فصار النائب الأول للرئيس من الجنوب ونائب
رئيس البرلمان من الجنوب وعدد من المحافظين فى الشمال والوزراء من الجنوب،
ومع ذلك ينعى الجنوبيون على الخرطوم أنها لم تتح مكانا لهم فى الكوادر
العليا فى الدولة ولكن التنازل الأخطر هو الإقرار للجنوب بتقرير مصيره.
ولكن الاتفاق أشار أيضاً درءا للشبهات إلى أن السنوات الست الأولى لتطبيق
الاتفاقية هى اختبار لمدى نجاح الشمال فى جعل الوحدة أكثر جاذبية من
الانفصال، أى أن الانفصال عقوبة للشمال لأنه عجز مقدماً فى أن يجعل الوحدة
معه جاذبة فحق الطلاق البائن على هذا الشريك الفاشل.
ونود
أن نسجل فى هذا المقام أن تقرير المصير حق للشعوب ضد المستعمر، وأن صراع
الخرطوم مع الحركة الشعبية وأنصارها من الإقليم وفى العالم أصحاب مشروع
تفتيت السودان لم يكن حرباً أهلية وإنما هو صراع للمحافظة على وحدة
السودان ضد التمرد المدعوم من الخارج. كما نود أن نسجل أن التزام جعل
الوحدة جاذبة للجنوب كان صيغة مخادعة لثلاثة
أسباب، الأول هو أن هذا الالتزام يقع على عاتق شريكى الحكم فلايجوز أن
نلوم المؤتمر الوطنى دون الجبهة الشعبية التي تتحمل النصيب الأوفي من
اللوم.
السبب
الثانى هو أن الجبهة الشعبية فهمت نيفاشا على أنها تسليم بحقها فى تأصيل
وتكريس الانفصال فأتاح لها الاتفاق مساحة واسعة من الحركة داخل الجنوب ومع
الخارج وأنشأت بعثات دبلوماسية موازية، وتحدثت الحركة بشكل معارض لحكومة
الوحدة و ضد الدستور الانتقالى، بينما المؤتمر الوطنى فهم نيفاشا على أنها
فسحة وفرصة للعمل على تدارك أسباب الصراع وتوثيق أواصر العلاقة على أسس
جديدة، وأن حق تقرير المصير الوارد فى نيفاشا علامة على حسن نية الخرطوم
وعدم رغبتها فى قهر الجنوب على علاقة لاترضيه.
السبب الثالث أن أصدقاء الإيجاد ودول أخرى ساعدت على تهيئة ظروف الانفصال بدعمها المكشوف للحركة الشعبية.
وقد
أظهرت الحركة الشعبية صراحة خلال المعركة الانتخابية الرئاسية أنها مستعدة
لمنع الانفصال إذا تنازل البشير لياسر عرمان مرشح الحركة فى الانتخابات،
أى سيطرة الحركة على كل السودان وتحريرها من العرب المسلمين أو فصل
الجنوب، وعلى الخرطوم أن تختار أحدهما وهما خياران أحلاهما مر .
لقد
انهمكت الجبهة الشعبية فى مساندة متمردى دارفور وساندت مسرحية الجنائية
الدولية ضد البشير لاتهامها له بجرائم فى دارفور، ولكن البشير يفهم جيداً
أنه لو أبدى استعداه للاعتراف بإسرائيل وأغفل المقاومة العربية وتخلى على
مواقفه العربية ضد إسرائيل، فسوف يظل رئيساً مدى الحياة وتحافظ له واشنطن
على السودان موحدا وربما سعت إلى ترشيحه لجائزة نوبل للسلام فيتحول بقدرة
قادر عندهم من قاتل مطلوب أمام الجنائية الدولية إلى قديس ينشر السلام
والعدل فى أحراش السودان.
وقد
فهمت أن حكومة الخرطوم تتمنى ألا تمضى الجبهة الشعبية فى خطها لفصل
الجنوب، ولكنها تواجه ضغوطاً هائلة من واشنطن وغيرها ومن توظيف المحكمة
الجنائية ضد البشير. معنى ذلك أن البشير يوافق على إجراء الاستفتاء وفق
اتفاق نيفاشا لكنه واثق أن النتائج سوف يتم تزويرها مادام الشمال لا يملك
رقابة النتائج، ومادامت تلك خطة واشنطن التى أشار ممثلها فى الخرطوم إلى
أنه لن ينازع فى نتائج انتخاب البشير لعل ذلك الفضل يدفع البشير إلى عدم
تعويق الانفصال. فإذا رفض البشير الانفصال فسوف يكون عليه أن يحارب الجبهة
مرة أخرى كما أن رفضه سوف يواجه بضغوط هائلة من الغرب بحجة عدم احترامه
لاتفاق نيفاشا، ولكن الحقيقة أن فهم الطرفين لحق تقرير المصير ليس واحدا،
كما أن المؤامرة كانت واضحة منذ البداية. سوف يترتب على رفض الخرطوم
الاعتراف بالجنوب كدولة مستقلة عزوف الدول الأخرى عن الاعتراف بها لأن
الاعتراف ضد رغبة الحكومة المركزية يعد إسهاما فى تقويض وحدة السودان.
نفهم أن الحكومة فى الخرطوم مستعدة لإرضاء الجنوب حتى بالتنازل عن حصتها
فى بترول الجنوب، ولكن الجنوب مدفوع لاعتبارات سياسية دولية نحو الانفصال
حتى يمكن للدولة الجديدة أن تعترف بإسرائيل وتتابع مع متمردي دارفور فصل
الإقليم وتفتيت بقية الأراضي السودانية.
أمام
هذا المأزق :ماهو موقف الدول العربية؟ هل تعترف بالدولة الجديدة امتثالاً
للرغبة الأمريكية أم تعزف عن الاعتراف احتراماً لرغبة الحكومة السودانية.
فإذا اعترضت الحكومة السودانية أملاً فى استجلاب الوحدة أو الفيدرالية فى
وقت لاحق، فلا أظن أن الدول العربية ستكون ملكية أكثر من الملك كما يقولون
خصوصاً وأن مصر مثلاً بادرت فى وقت مبكر استشرافاً لهذا المصير ومدت
جسوراً مع حكومة الجنوب وأنشأت بعثة قنصلية فى جوبا عاصمة الجنوب.
إننى
أنبه إلى أن المؤامرة على وحدة السودان لاقبل للسودان وحده بمواجهتها،
وإذا تسامحت الدول العربية مع انفصال الجنوب، فإن تفكيك السودان قادم
وتفتيت الدول العربية يكون قيد النظر مادامت السابقة قد تم إرساؤها. ولذلك
فإننى أطالب بوقفة عاقلة فى هذه المأساة وليس واردا استجداء الحركة
الشعبية حتى ترضى بعدم فصل الجنوب، أو بوعود باستثمارات عربية فى الجنوب
ثمناً لمنع الانفصال ، وإنما تكون هذه الوعود فى مؤتمر تحضره كل الأطراف
وأن تكون جزءاً من حل شامل يحفظ على السودان وحدته.
وأخيراً،
وكما أشار أحد كبار المسؤولين السودانيين في أحد اللقاءات في الخرطوم في
أوائل يوليو 2010 لماذا يصر الجنوب على الانفصال وهو منفصل فعلاً وأن
روابطه مع الشمال شكلية، إلا أن يكون الانفصال مقصوداً منه تمزيق السودان
وإدخاله فى دوامة جديدة من الصراع.
والحق
أن التصدى للمؤامرة منذ بدايتها أقل كلفة وأبعد نظرا من الاستسلام لأوهام
التسوية وسراب السلام، ولكن العالم العربى كان قد بدأ ينفرط عقده مما لا
يدع مجالاً للشك من السلام المصري الاسرائيلي الذي هو رأس الشرور للعالم
العربى ومصر فى المقدمة.
ونظرا
لمخاطر الانفصال للعالم العربى والاسلامى وإفريقيا فقد ترى الدول فى
العوالم الثلاثة عقد قمة مشتركة لتدارك المخاطر، فالدول العربية
والإفريقية هشة وأضعفها بلاء الداخل وتجبر الخارج، مما أنهك قدرتها على
الصمود حتى للحفاظ على وحدتها الداخلية.
السياف- عضو لامع
- عدد المساهمات : 9
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/12/2010
مواضيع مماثلة
» اكبر فضيحة في تاريخ السودان
» الحكم على فتاة في السودان بالرجم حتى الموت
» خريطة العالم
» طفل العالم الثالث
» فديو اهداف كاس العالم
» الحكم على فتاة في السودان بالرجم حتى الموت
» خريطة العالم
» طفل العالم الثالث
» فديو اهداف كاس العالم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت أبريل 09, 2016 8:53 am من طرف عاشق المستحيل
» اخبار الطقس حول العالم
الأحد يناير 11, 2015 4:24 am من طرف عاشق المستحيل
» اجمل الكلمات
الأربعاء أكتوبر 08, 2014 4:51 pm من طرف عاشق المستحيل
» منتديات أم دغينة والإختلام المرفوض
الجمعة مايو 16, 2014 9:19 pm من طرف عاشق المستحيل
» صورة رئيس مصر الجديد محمد مرسي
الجمعة أغسطس 03, 2012 2:00 pm من طرف عاشق المستحيل
» الحكم على فتاة في السودان بالرجم حتى الموت
الخميس أغسطس 02, 2012 1:58 pm من طرف عاشق المستحيل
» ۩ اكبر مكتبه مصاحف مرتله ۩ باعلي جوده ومساحه مناسبه للتحميل للجميع علي اكثر من سيرفر
الثلاثاء أغسطس 23, 2011 10:36 pm من طرف عاشق المستحيل
» طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة
الثلاثاء أغسطس 23, 2011 10:22 pm من طرف عاشق المستحيل
» اشعار الإمام الشافعي
الخميس مارس 17, 2011 7:07 pm من طرف عاشق المستحيل
» مجموعة من مواقع الكتب الالكترونية
السبت فبراير 26, 2011 10:07 pm من طرف عاشق المستحيل
» الأحاديث الثابتة في فضائل سور وآيات القرآن
السبت فبراير 26, 2011 9:22 pm من طرف عاشق المستحيل
» فائدة من سورة يوسف 100
السبت فبراير 26, 2011 9:16 pm من طرف عاشق المستحيل
» مجموعه كتب فى علم النفس للتحميل
السبت فبراير 26, 2011 7:30 pm من طرف عاشق المستحيل
» أًرحً قًـلبًـك ًهـنًـا....
السبت فبراير 26, 2011 7:28 pm من طرف عاشق المستحيل
» مـــجـــمـــــوعــــة أقــــلام
السبت فبراير 26, 2011 7:21 pm من طرف عاشق المستحيل